خطابُ: حوار الأديان. خطابٌ افتراضيّ ليسَ له أساسُ وُجودٍ، إلا في مخيّلة المنادينَ به؛ ولعلّهم يُطلقون اللفظَ ويُريدون به “مَجازاً”: حوار المتديِّنين أو مناظرات المتديِّنين. لأنّ حوارَ الأديانِ مَقطوعٌ بعدم صحَّته ابتداءً من مقدّمات الأديان أنفُسِها وأصولها ومواقفها؛ الإسلامُ يُعلنُ عَن نفسِه وعَن موقفه: إنّ الدّين عند الله الإسلام، وأنّ مَن ابتَغَى غيرَه فلن يُقبَل منه، أمّا التّديُّنُ فكلٌّ حرٌّ في اعتمادٍ عقيدةٍ ولا إكراه في الدّين.
إذن الأمرُ يتعلّقُ بحوارِ المتديِّنين، وهي صفةٌ ملازمةٌ لصاحبِها ولا صلةَ لَها بالدّين نفسِه؛ لأنّ الدينَ يُعرِبُ عن نفسِه ولا يَحتاجُ إلى خطاب “حوار الأديان” ولا إلى حِجاج الأديان. وعندَما يُطلَقُ حوارُ الأديانِ اليومَ يبرزُ فيه النصارَى الصليبيونَ في صدرِ مَجلسِ الحوارِ وأعلى درجةٍ فيه بنظرتهم الاستعلائيّةِ التي تَحتقرُ الإسلام وتَعُدُّه مُستلْحَقاً وفرعاً مَنسوخاً .
ولكنّ النزعةَ السّائدَة هي إكراه الدّين على الحوارِ، بينَما الدّين يُصرِّحُ بألا إكراه في الدّين. إكراه الدّين الإسلامي على الحوارِ لإخراجه من التميُّز والنَّسخ للديانات السابقَة إلى الاستواء وإياها والرجوع إليها واتخاذها الأصلَ لأنها ي زعمهم، الأقدمُ.
لقد بَنى الإسلامُ مواقفَه ومواقعَه وخططه قبْلاً، وأجابَ قبل أن يُثارَ سؤال الحوار المَزعومِ، وأعلمَ الناسَ أنّ سيأتي زَمانٌ يَكون فيه من الناسِ مَن قال الله فيهم: «وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ». حوارُ الأديان المزعومُ فيه “شَراكَةٌ”واعتمادٌ واستواءٌ وقَطْعٌ لرقَبَة التاريخ… ونظرٌ إلى الأديان نظرةً سطحيّةً إكراهيّةً لاويةً أعناقَ العقائد وغاضَّةً الطرْفَ عن مقدّماتِ الأديان وتصريحها عَن أنفُسها، والإسلامُ يَرفُضُ هذا الموقفَ الذي يُرادُ وضعُهُ فيه: « ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ»
من المَفاهيم والمُصطَلَحات المُستخدمَة لترويج هذا المدّ الخالطِ المُلَفِّقِ : “خطاب حوار الأديان” مَفهوم: “مؤمنون بلا حُدود”، وفي هذا المفهوم إدانةٌ للخصائص الخاصة بكل ديانَة واعتدادُها دخيلةً وأنّ إلغاءَ الحدود المائزَة بين الأديان عندَهُم هو الغايةُ المَنشودَة والوَضع الطبيعيّ المُريح.