ليس أمرُ التنقيطِ بالفَواصلِ والنّقطِ وعلاماتِ التّرقيمِ رهيناً باختيارِ الكاتبِ وهَواه ، ولكنّه تابعٌ للمعْنى مُقيّدٌ بمحطّاتِ الدّلالَةِ على المَقاصدِ، وهذا أمرٌ يتّفقُ عليْه الكاتبُ والقارئُ على السّواءِ؛ فإذا وضعَ الكاتبُ العلامَةَ في غيرِ موضعِها اعترضَ عليْه القارئُ و نبّهَ على وجهِ الصّوابِ ، فلا نَقولُ مُطلقاً إنّ علاماتِ التّرقيمِ سمةٌ أسلوبيّةٌ ، هكذا ، و لا نَدري ما المُرادُ بهذا الوصفِ، وإنّما نقولُ – في رأيي – إنّ هذه العَلاماتِ أماراتٌ على مَقاطعِ المَعْنى الكَبيرِ الرّئيس، فلا يستطيعُ القارئُ أن يُدرِكَ مَعْنى النصّ وفكرتَه الرّئيسَةَ إلاّ بتجزيئه إلى مَقاطعَ وأجزاءٍ، بعضُها موغلٌ في الوقفِ، وبعضُها الوقفُ فيه للاستراحَة ثمّ يأتي بعدَه الاستئنافُ، وبعضُها فيه تعجّبٌ أو استفهامٌ أو ندبَةٌ …
والحقيقةُ أنّ الترقيم بالفَواصلِ والنّقطِ ليس من الأمور الاختيارية، ولكنّه من العلامات الاتفاقيّة التي يصطلحُ عليْها الكتّابُ العارِفون َبأصول فنّ الكتابَة ولا دخلَ للاختيارات الشخصية ههنا، فالمعْنى هو الحَكَم، والدّلالَةُ على المَقاصدِ هي الفيصَل بين العلامات، فالنقطَة لانتهاء المَعنى واكتمالِه، والفاصلَة للوقفَة التي يليها استئنافٌ، والقاطعَة للوقفة التي يليها تعليل أو تفسير لِما قبلَها ولمعاني التّعجب والاستفهام والتحضيض علاماتُهها المميِّزَة…
ثُمّ أختمُ الكلمةَ الموجزةَ، في علامات الوقف والتّرقيم؛ لأثبتَ أنّ اختفاءَها من النص يُحدثُ لبساً و اشتباهاً ، و بلبلةً في الفهم ؛ ذلك بأنّ هذه العلاماتِ تعدّ جزءاً من النص نفسِه، ولولاها لَما عُدَّ النص نصاً مشتملاً على طرائق النصوص وشرائطها المميزَة؛ ليست أماراتُ الوقفِ والترقيم علاماتٍ اختياريةً أو أسلوباً من الأساليب كَما قد يَتَبادرُ إلى الذّهنِ، ولا هي بالأنفاس والأجساد ، بل تتعدّى التقطيع النَّفَسي الصوتي إلى الاعتدادِ بها مكوِّناً من مكوّناتِ النصّ، مكوّناً يضمنُ تقسيمَ النصّ إلى أجزاء ومَفاصلَ دلاليّةٍ، فيكتسبُ بذلِك التّقطيعِ صفةَ الكلامِ المترابِط المتّسقِ.