حقيقةٌ مُرّة:
طَأْ بقدمكَ الواقعَ، فَهو مَهما يَكُنْ شَرُّه فهو آمن، أمّا العالَمُ الافتراضيُّ فمَهْربٌ غيرُ آمنٍ، يقتُلُ أعمارَ الناشئةِ، ويُسْكِنُهُم ويُثْبِتُهُم ويَهَبُ لهم حياةً وهميّةً خَدّاعةً. يطمئنُّ الآباءُ بسُكونِ الأبناءِ في وسط العالَم الوَهميّ، ولكنّهم لا يُدركونَ جُمودَهم وتصلُّبَ الدّمِ في شرايينهم وتوقُّفَ عُقولِهم عن الفكرِ والإبداعِ والتحليلِ والنّقد، لم يَعُدْ لهم إلا عقلٌ واحدٌ: عقلُ التَّلقّي السّالب. عَدْوى القطيعِ تَغزو العالَمَ وتنتشرُ على وسائلِ التواصُلِ والألعابِ وبَرامجِ اللهو، وينسلكُ في فضاءِ القطيعِ كلُّ ذي نشأةٍ حَديثةٍ أو أقدَمَ قليلاً، حتّى إذا شبَّ صارَ له الفضاءُ المَوْهومُ والبيتُ المَزعومُ داراً ومَسكناً آمناً، فضاءٌ مخيفٌ يُعيدُ تشكيلَ القطيعِ فيُوحّدُ ذوقَه وفكرَه ومَشاعِرَه، ويَسلُبُه الحياةَ، حَتّى فَقَدَت الحياةُ المُحيطَةُ به وُجودَها ولم يَعدْ فَضاءُ الواقعِ – في رُوعِه – ذا وجودٍ ، فانقَلَبَت الأحوالُ رأساً على عَقبٍ، وصار العالَمُ المَوطوءُ مَركوبَ المَطايا، فيه المأكلُ والمشربُ، والمَرْعى والمَبيت، والمَحْيا والمَماتُ. إنّها أعمارُ الأطفالِ تَمضي وتَقضي، ما دامَت مُدْخَلاتُ العالَم الافتراضيّ تَنهمرُ، وزادٌ من القِيَمِ ينخفضُ ويَتوارى في ظُلُماتِ الإهمالِ والنسيانِ، والتركيزُ يضعُفُ والتحصيلُ يَهْوي في مَكانٍ سَحيقٍ، ويظلُّ الحالُ هكذا حَتّى الحُصول على كائنٍ مُغَفَّلٍ بَليدٍ، كالآلة لا تتحرَّكُ إلا إذا حُرِّكَت، قال قائلٌ: “أولادُنا لَم يَعودوا أولادَنا” فقَد خطفَهُم عالَمُ الوهمِ والافتراضِ، وحَوَّلهُم إلى كائناتٍ مُشوَّهةٍ بلا ذاكرةٍ ولا عَقيدةٍ ولا قُدرةٍ على الفَهم والنقدِ والتحليلِ والابتكارِ.