- : ما أكثرَ الآياتِ التي قُيِّدَت فيها العَواملُ بقُيودِ التعليقِ؛ منها على سبيل الاستدلالِ من غيرِ حَصرٍ:
« كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ » الأعراف / 2
قُيِّدَ فعلُ الإنزالِ بإلى وفي حرف الجر إلى مَعْنى القَصد والتوجيه والتخصيصِ وتحقيقِ الفائدَةِ، وفيه مَعنى «تَسكينِ نَفْسِ النّبي صلى الله عليه وسلم وإغاظةِ الكافرين، وتأنيس المؤمنين» فلا يكن في صرك حرج إن كذّبوا. فالجارُّ قيَّدَ الفعلَ المُطلقَ ووجَّهه إلى مسالكَ دقيقةٍ من المَعنى.
- : «مَن سَمعَ به بأرضٍ فلا يَقدِمَنَّ عليه، ومَن وَقَعَ بأرضٍ وهو بها فَلا يُخْرجَنّه الفِرارُ منه»
مَن: اسم موصول مُبْهَم، والضَّمير المستترُ في الفعل سَمعَ: يَعودُ على اسم الموصول، والضَّمير الواقع في محل جر بالباءِ (به): يَعود على غير مذكورٍ وهو الطّاعونُ، وهو مقام الكَلام، والضمير الواقع في محل المجرور (عليه): يَعودُ على الطاعون، ولا يَعود على الأرض لأنّ الأرضَ مؤنَّثَة، وقد يَعود على الأرض مُؤوَّلةً بالبلَد.
ومَن: اسم موصول مُبْهَم، والضَّمير المستترُ في فِعل وَقَعَ: يَعودُ على اسم الموصول، والضميرُ المنفصل (هو): يعودُ على فاعل الفعل وَقَعَ، الذي يعودُ على اسم الموصول مَن، والضمير الواقع بعد باء الجر (بها): يعود على الأرض، والضمير المتصل في (يُخرجنَّه): يعودُ على فاعل الفعل وَقَعَ، والضمير بعد حرف الجر (مِنْ): يَعودُ على الطّاعون، ولا يَعود على الأرض لأنّ الأرضَ مؤنَّثَة، وقد يَعود على الأرض مُؤوَّلةً بالبلَد.
- تَكرار حَرف الجرّ “مِن” ثلاثَ مرات في آيةٍ واحدةٍ : دليل على التركيز الدَّلاليّ أو الشّحنَة الدّلاليّة :
ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (الروم: 28)
1- “مِن: في قوله [مِن أنفسكم] ابتدائية تُفيدُ ابتداءَ الغاية المَكانية المَجازية، وهي متعلقة بالفعل [ضرَب] أي جعل لكم مَثلاً مُنتزَعاً من أنفسكم .
2- [مِن] في قوله [من ما ملكت أيمانكم] تبعيضية، أي بَعْض ما مَلَكَت أنفسُكم.
3- [مِن] في قوله [مِن شركاء] زائدة مُؤكِّدة لمعنى النفي المستفاد من الاستفهام الإنكاري.
- آفةُ العَربيةِ اليومَ في الروابط.
فأكثرُ الأخطاءِ المُرتَكَبَة راجعُ إلى الجهلِ بالروابط وبالمواضعِ التي ينبغي وضعُها فيها. والمقصود بالروابط حُروفُ الجرّ والمقصودُ بمواضعها مُتعلَّقاتُها، ومن الروابط الحروفُ التي يُعدّى بها الفعلُ، ومنها الضمائرُ والموصولاتُ وأسماءُ الإشارَة وغيرُها .
صَدَقَ الرازي إذ قال: أكثرُ لطائفِ القرآن مُودَعَة في الترتيبات والروابط.
فبالروابط يتماسكُ النص، ولا يُبنى بناء متماسكاً إلا إذا اختيرَت الروابطُ المناسبةُ ووُضعَت في أماكنها المناسبة.
- كلُّ حَرفٍ من حُروفِ الجرّ يُضافُ في الاستفهام إِلى “ما” فإِنّ أَلفَ “ما” تُحْذَفُ فيه؛ كَقولِه تَعالى: « فبِمَ تُبَشِّرُون؟ » و « فِيمَ كُنْتُم؟ » و « لِمَ تُؤْذُونَني؟ » و « عَمَّ يَتَساءَلُونَ؟ ».
6- الفعلُ طَعَن يتَعَدّى بنفسه وببعض حُروف الجر؛ فإذا تعدّى بنفسه كان بُلوغ الفعلِ إلى غَرَضِه مباشرًا نحو قولنا:
-طَعَنَ فُلانٌ فُلانًا بالرمح وبالسيفِ وبالكلمة الجارِحَة. وطَعَن الليلَ: سارَ فيه كلّه.
-وإذا تعدّى بالواسطةِ تَعَدّى بفي وعلى والباء، تقولُ: طَعَنَ زيْدٌ بالقول يَطْعَن إذا عابَه،
-وطَعَنَ في النَّسَب، وطَعَنَ في المفازَة والطَّريقِ ونحوِهِما مضى فيهما وأَمْعَنَ، وطَعَنَ في السّنّ إذا شَخَصَ فيها وكَبر وهَرمَ، وطَعَنَ في جنازته إذا أَشرف على الموت؛ قال لبيد:
تَرْقى وتَطْعنُ في العِنانِ وتَنْتَحي * وِرْدَ الحَمامةِ إذْ أَجَدَّ حَمامُها
-وَطَعَنَ فُلانٌ على فُلانٍ ثَلَبَهُ.
على هذا يصح أن يقال: طعن في التقرير وعلى التقرير، قال الزمخشري في أساس البلاغة: “ومن المجاز طعن فيه وعليه، وطعن عليه في أمره”.
- تَكرار حَرف الجرّ “مِن” ثلاثَ مرات في آيةٍ واحدةٍ : دليل على التركيز الدَّلاليّ أو الشّحنَة الدّلاليّة :
ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (الروم: 28)
1- “مِن: في قوله [مِن أنفسكم] ابتدائية تُفيدُ ابتداءَ الغاية المَكانية المَجازية، وهي متعلقة بالفعل [ضرَب] أي جعل لكم مَثلاً مُنتزَعاً من أنفسكم .
2- [مِن] في قوله [من ما ملكت أيمانكم] تبعيضية، أي بَعْض ما مَلَكَت أنفسُكم.
3- [مِن] في قوله [مِن شركاء] زائدة مُؤكِّدة لمعنى النفي المستفاد من الاستفهام الإنكاري.
- قراءَة في شبكة الربط والإحالَة:
لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
[المائدة/89]
والملحوظ في هذه الآيَة الطويلَة ورود
– الإحالَة بالتكرار : الاسمُ المكررُ يُحيلُ إلى ما قبلَه مما هو من لفظه ومَعناه. والملحوظُ تكرُّرُ الأيْمانِ أربعَ مرات، والتكريرُ للتقرير، وقُسمَت الأيْمان إلى أيْمانٍ لاغية وأيْمانٍ مَعقود عليْها عَمَلٌ.
– الإحالَة بالضمائر [ضمائر المخاطَب والغائب]: ضمير الكاف في يؤاخذكم وأيمانكم وأهليكم ولَكم، والتاء في عقَّدتُم وحلفتم، والواو في تطعمون واحفظوا وتشكرون، والضمير المستتر في يَجِدْ على تقدير فمن لم يجد منكم…: لعامة المُخاطَبين من المسلمين. الهاء في “كفارتُه” يعود على “ما عقّدتم به الأيْمانَ” أي ما قصدتُم به الحَلف، أي المحلوف عليْه.
– الإحالَة ببعض حروف الجر مثل : “مِنْ” البيانية في قوله “من أوسط” وفي التبيين إشارةٌ إلى المبيَّن “مَساكين” وإحالةٌ إليْه بتَقْييد المراد إذْ لَو لم يُبيّنْ لفُهِمَ أنّ مُطلقَ المساكين يَجوزُ إطعامُهم سواء أكانوا من أوسط ما يأكل الناسُ أم من أقلّ أو أكثَرَ.
-الإحالَة بالإشارَة: ذلك كفّارةُ أيمانكم” : وفيه إشارة إلى المَذكور سابقاً وهو لتححل من الأيْمان بالتكفير، والإشارَةُ زيادة في الإيضاح.
– الإحالَة على عِظَم المسألَة، بالمُبالَغَة في اللفظ : صيغة التَّشديد في “عقَّدتُم” للمُبالَغَة في عَقْد الأيمان ممّا كَسَبَت القلوبُ، والتشديد في فاء الكفّارة؛ وقد جاءت في اللفظ دلالتان اثنتان على المبالغة هما التضعيف والتاء الزائدة
– تَقْييد الإشارَة بالشرط، وفيه إحالَة على أنّ الحُكمَ مقيَّد بالشرط : “إذا حلفتم” وأردتم التحلّل من القَسَم؛ إذْ ليست الكفّارةُ على مُطلَق صُدور الحَلِف بل على عَدَم الوَفاءِ به وعَدَم البُرورِ بالقَسَم، أمّا إذا نُقِضَ الحَلِفُ لَزِمَت الكَفّارةُ؛ لأنّ النّقضَ إثمٌ يستوجبُ الكفارةَ .
- قراءَة في شبكة الربط والإحالَة:
لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
[المائدة/89]
والملحوظ في هذه الآيَة الطويلَة ورود
– الإحالَة بالتكرار : الاسمُ المكررُ يُحيلُ إلى ما قبلَه مما هو من لفظه ومَعناه. والملحوظُ تكرُّرُ الأيْمانِ أربعَ مرات، والتكريرُ للتقرير، وقُسمَت الأيْمان إلى أيْمانٍ لاغية وأيْمانٍ مَعقود عليْها عَمَلٌ.
– الإحالَة بالضمائر [ضمائر المخاطَب والغائب]: ضمير الكاف في يؤاخذكم وأيمانكم وأهليكم ولَكم، والتاء في عقَّدتُم وحلفتم، والواو في تطعمون واحفظوا وتشكرون، والضمير المستتر في يَجِدْ على تقدير فمن لم يجد منكم…: لعامة المُخاطَبين من المسلمين. الهاء في “كفارتُه” يعود على “ما عقّدتم به الأيْمانَ” أي ما قصدتُم به الحَلف، أي المحلوف عليْه.
– الإحالَة ببعض حروف الجر مثل : “مِنْ” البيانية في قوله “من أوسط” وفي التبيين إشارةٌ إلى المبيَّن “مَساكين” وإحالةٌ إليْه بتَقْييد المراد إذْ لَو لم يُبيّنْ لفُهِمَ أنّ مُطلقَ المساكين يَجوزُ إطعامُهم سواء أكانوا من أوسط ما يأكل الناسُ أم من أقلّ أو أكثَرَ.
-الإحالَة بالإشارَة: ذلك كفّارةُ أيمانكم” : وفيه إشارة إلى المَذكور سابقاً وهو لتححل من الأيْمان بالتكفير، والإشارَةُ زيادة في الإيضاح.
– الإحالَة على عِظَم المسألَة، بالمُبالَغَة في اللفظ : صيغة التَّشديد في “عقَّدتُم” للمُبالَغَة في عَقْد الأيمان ممّا كَسَبَت القلوبُ، والتشديد في فاء الكفّارة؛ وقد جاءت في اللفظ دلالتان اثنتان على المبالغة هما التضعيف والتاء الزائدة
– تَقْييد الإشارَة بالشرط، وفيه إحالَة على أنّ الحُكمَ مقيَّد بالشرط : “إذا حلفتم” وأردتم التحلّل من القَسَم؛ إذْ ليست الكفّارةُ على مُطلَق صُدور الحَلِف بل على عَدَم الوَفاءِ به وعَدَم البُرورِ بالقَسَم، أمّا إذا نُقِضَ الحَلِفُ لَزِمَت الكَفّارةُ؛ لأنّ النّقضَ إثمٌ يستوجبُ الكفارةَ .
- مَقْطَع من الآيَة 38 من سورَة الأعراف :
« قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ »
لاحظْ كثرةَ حُروف الجر، ويَعْني ذلكَ كثرةَ القُيود الموضوعَة على الأحداثِ؛ فالدخولُ ليسَ مطلقاً بل هو مُقيَّد بمَكان مَجازيّ مَدخولٍ فيه [في أمم]، والفعلُ خَلا [أي مَضَى وانْقَرَضَ] مقيدٌ بزمن غير زمن صيغَة الفعل، وهو الماضي [مِن قَبلِكُم]، ومقيَّدٌ ببيانِ نوع الفاعل في خَلا [مِن الجنّ]، وفعلُ الدخول الأولُ مقيَّدٌ أيضاً بمَكان مَدخول فيه مُستقَرٍّ فيه [في النار]
لو أسقطنا القُيود لحصلنا على أحداث مُطلقةٍ لا تَكاد تُفيدُ الإفادةَ الدقيقةَ المُفصَّلَةَ الموافقةَ لمقاصد التنزيل؛ لو أسقطنا كل القُيود من حروف الجرّ لكانت النتيجَة مُثيرةً للغرابَة وهي عَدَم الحُصول على مَعْنى مُطلقاً: [قالَ ادْخُلُوا]
فائدة أخرى: أنّ حرف الجر الأول “في” [في أمَمٍ] يدلُّ على الظّرفية المَجازيّة، وهي أنّهُم سَيكونونَ على هَيئةٍ واحدة وحُكمٍ واحد، سواء أَدَخلوا النّار في وَسَط الأُمَم أم دخلوا قبلَها أو بَعْدَها، فحرف الجر [في] يدلُّ على معنى [مع] أي ادخُلوا مَعَ أمم، وليسَ المقصودُ حُلُّوا فيهم كَما يَحلُّ الضيفُ بصاحبِ الدّار، فأنتم وإياهم حالُّونَ بالناروإن اختَلَفَ ترتيبُ الدُّخول. وقَد جَعَلَ صاحبُ «الكشاف» [في] التي في الآيَةِ نَظيرَةَ في التي في قول عُروةَ بنِ أذينَةَ:
إنْ تَكُنْ عن حسن الصّنيعة مأفُو … كاً ففي آخرينَ قد أُفِكُوا
- حُروفُ الجرِّ في اللغة العربيّةِ ذاتُ أسرارٍ عظيمةٍ في توجيه المَعاني وتَشعيبِ المَسالكِ وتَفريعِ جِهاتِ القَولِ وتفصيلِ دقائق الكَلامِ، فهي التي تَبني المَشاهدِ للمُشاهدَ وتُهيِّءُ مَنازلَ الحِجاجِ للمُنازِلِ، انظرْ على سبيل المثال في قَوله تعالى :
« ويَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ » النحل / 89
اجتَمَع في هذه الآيَة الواحدة ثَمانيةُ حروف جَرٍّ، منها ما تكررَ ومنها ما لم يَتكررْ. ولو تأمَّلْتَ
مواضعَ هذه الحروفِ ووظائفَها ودلالاتِها لوجدتَها أولا قد قيَّدَت الأفعالَ وأخرجتْها من إطلاقها وأحدثَت فيها شعباً ومَسالكَ وطُرُقاً فرعيَّةً بها تُدرَك دقائقُ المَعاني، فلا شكّ أنّ بين قولك: “نبعثُ شهيداً” وبين قوله تعالى “نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم” ، فقَد أُخرجَ الفعلُ “بَعَثَ” من إطلاقه وقُيِّدَ بمَكان اختيار المَبعوث، وأُخرجَت الصفة المشبهَةُ “شهيد” من إطلاقها إلى تخصيص بمَن سيَقَع عليهم الإشهاد وتَبيين منْ سيُنتَقى منهم الشهداءُ… ثمّ يأتي الفعل الثاني “جئنا” لكيْ يُقيَّدَ بباء التعدية … ثم الفعل “نزَّلْنا” ثم المصدر “تبيان” و”هدى”
- حُروفُ الجرِّ في اللغة العربيّةِ ذاتُ أسرارٍ عظيمةٍ في توجيه المَعاني وتَشعيبِ المَسالكِ وتَفريعِ جِهاتِ القَولِ وتفصيلِ دقائق الكَلامِ، فهي التي تَبني المَشاهدِ للمُشاهدَ وتُهيِّءُ مَنازلَ الحِجاجِ للمُنازِلِ، انظرْ على سبيل المثال في قَوله تعالى :
« ويَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ » النحل / 89
- اجتَمَع في هذه الآيَة الواحدة ثَمانيةُ حروف جَرٍّ، منها ما تكررَ ومنها ما لم يَتكررْ. ولو تأمَّلْتَ
مواضعَ هذه الحروفِ ووظائفَها ودلالاتِها لوجدتَها أولا قد قيَّدَت الأفعالَ وأخرجتْها من إطلاقها وأحدثَت فيها شعباً ومَسالكَ وطُرُقاً فرعيَّةً بها تُدرَك دقائقُ المَعاني، فلا شكّ أنّ بين قولك: “نبعثُ شهيداً” وبين قوله تعالى “نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم” ، فقَد أُخرجَ الفعلُ “بَعَثَ” من إطلاقه وقُيِّدَ بمَكان اختيار المَبعوث، وأُخرجَت الصفة المشبهَةُ “شهيد” من إطلاقها إلى تخصيص بمَن سيَقَع عليهم الإشهاد وتَبيين منْ سيُنتَقى منهم الشهداءُ… ثمّ يأتي الفعل الثاني “جئنا” لكيْ يُقيَّدَ بباء التعدية … ثم الفعل “نزَّلْنا” ثم المصدر “تبيان” و”هدى”
من الخطأ الشائع في النظرِ إلى حُروف الجر قولُ الناسِ: «حروفُ الجر تتعاقبُ أي يَنوبُ بعضُها عَن بعض» ويتَّخذونَ هذا الوَهمَ قاعدةً.
وقد صحَّحَ ابنُ دُرُستوَيْه هذا الوهمَ، وقالَ في كتابه: تصحيح الفَصيح وشرحه (أي تصحيح فصيح شيخه أبي العباس ثَعلَب):
« ورُبَّما أَدْخَلوا حَرفَ جرٍّ مَكانَ آخرَ. والعَربُ تتكلمُ بغير ذلك. فمن ذلك قولُه: سخرت منه، وهزئت به. ومن مذهبِه ومذاهبِ كثيرٍ من أهل اللغة، أن حروفَ الجر تتعاقبُ، فيقعُ كل واحد منها مكانَ الآخر، بمعنى واحد. وهذا إبطالُ حقيقة اللغة، وإفسادُ الحكمة فيها، وضدُّ ما يوجبه العقل والقياسُ. وكل من كان على غير مذهبهم من أهل التحصيل والمعرفة، ينكرون ذلك. فإنكار مؤلف هذا الكتاب ما عليه العامةُ، واعتقادُه واعتقادُ أصحابه، دليل على فساد مذهبهم. وقد بينا هذا على الاستقصاء، في كتابنا في الرواية التي وصفناها وفي إبطال تعاقب الحروف.»
- حذفُ الحرف فَصاحةً وتَخفيفاً:
كلُّ حَرفٍ من حُروفِ الجرّ أُضيفَ إلى “ما” الاستفهاميّة وأتَت بعدَه حركةٌ؛ فإِنّ أَلفَ “ما” تُحْذَفُ منه أداءً ورَسماً؛ تَخفيفاً وفَصاحَةً. كَقولِه تَعالى: « فبِمَ تُبَشِّرُون؟ »
و « فِيمَ كُنْتُم؟ » [“في” تدلّ على الظّرفيّة المَجازيّة، وفيها مَعنى الحالة المسؤول عنها وهي حالَة لبقاء على الكُفر]
و « لِمَ تُؤْذُونَني؟ »
و « عَمَّ يَتَساءَلُونَ؟ »
وقول الطّرمّاح:
حَتّامَ أَنتَ تَهيمُ لا *** حَتّامَ بِالأُنسِ المُزايِل
وقول ابن هرمة :
يا أَثلُ لا غِيَراً أُعْطَى وَلا قَوَداً *** عَلَامَ أَو فيمَ إِسْرافاً هَرَقتُ دَمي
وقول السَّرِيّ الرّفّاء :
إلامَ يَرومُ الحَاسِدونَ نِضالي *** وأَيمانُهُم في الرَّمْيِ دونَ شِمالي
قالَ ابنُ مالك في الألفية:
وما في الاستفهام إن جُرَّت حُذفْ *** ألفُها، وأولها الهَا إنْ تَقِفْ
وليسَ حَتْماً في سِوى ما انْخَفَضا *** باسمٍ، كقولك ” اقتضاءَمَ اقتضى”
تعليق واحد
- تَكرار حَرف الجرّ “مِن” ثلاثَ مرات في آيةٍ واحدةٍ : دليل على التركيز الدَّلاليّ أو الشّحنَة الدّلاليّة :
ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (الروم: 28)
1- “مِن: في قوله [مِن أنفسكم] ابتدائية تُفيدُ ابتداءَ الغاية المَكانية المَجازية، وهي متعلقة بالفعل [ضرَب] أي جعل لكم مَثلاً مُنتزَعاً من أنفسكم .
2- [مِن] في قوله [من ما ملكت أيمانكم] تبعيضية، أي بَعْض ما مَلَكَت أنفسُكم.
3- [مِن] في قوله [مِن شركاء] زائدة مُؤكِّدة لمعنى النفي المستفاد من الاستفهام الإنكاري.
- القواعد من النساء: جمع قاعد بدون هاء تأنيث مثل الحامل والحائض لأنه وصف خاص بالإناث وهو القعود عن الولادة والمحيض. والقعود استعارة لعدم القدرة فغلب في الاستعمال حتى صار وصفًا خاصًّا بالمؤنث من غير أن تلحقَه هاء التأنيث. وقوله: {اللاتي لا يرجون نكاحًا} اسم الموصول نعت كاشف للقواعد.
أما جملة {فليس عليهن جُناحٌ} فهي خبر للمبتدأ “القواعد”. أما الفاءُ المقترنةُ بجملة الخَبَر ففيها معنى السببية والشرط؛ لأن هذا المبتدأ يُشعر بترقب ما يَرِدُ بعدَه فشابه الشرطَ، نحو قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}. “مِن” حرفُ جرّ يدلُّ على التبيين، والثيابُ لفظٌ مُطلقٌ يُرادُ به بعضُ الثياب المأمور بإدنائه.
ولذلك عقب هذا الترخيص بقوله: {وأن يستعففن خير لهن}.
والاستعفاف: التعفف عن وضع الثياب عنهن، فهو أفضل لهن؛ ولذلك قُيِّدَ هذا الإذنُ بالحال وهو {غيرَ متبرجات بزينة} أي وضعًا لا يقارنه تبرج بزينة. والتبرج التكشف. والباء في {بزينة} للملابسة فيؤول إلى معنى ألا يكون وضع الثياب إظهارًا لزينة كانت مستورة. والمراد: إظهار ما عادة المؤمنات ستره. فإن المرأة إذا تجلَّت بزينة من شأنها إخفاؤها فكأنها تَعْرِضُ من أجل استحسان الرجال إياها وإثارة رغبتهم فيها، أما القواعدُ فهنَّ على قعودهنّ قد يخالفنَ الآداب الذّاهبَة بوقار السّنّ. فالتبرج بالزينة: التحلي بما ليس من العادة التحلي به في الظاهر
وقيل: إن المعنيَّ بقوله: {غير متبرجات بزينة}؛ أي كونهن من القواعد لا يقتضي الترخيص لهن إلا في وضع ثيابهن وضعًا مجردًا عن قصد ترغيب فيهن؛ وعليه فـ(الفاءُ) سببية تعليلية فيها معنى الشرط، و(مِن) بيانية.
- حُروفُ الجرِّ في اللغة العربيّةِ ذاتُ أسرارٍ عظيمةٍ في توجيه المَعاني وتَشعيبِ المَسالكِ وتَفريعِ جِهاتِ القَولِ وتفصيلِ دقائق الكَلامِ، فهي التي تَبني المَشاهدِ للمُشاهِدِ وتُهيِّءُ مَنازلَ الحِجاجِ للمُنازِلِ، انظرْ على سبيل المثال في قَوله تعالى :
« ويَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ » النحل / 89
اجتَمَع في هذه الآيَة الواحدة ثَمانيةُ حروف جَرٍّ، منها ما تكررَ ومنها ما لم يَتكررْ. ولو تأمَّلْتَ
مواضعَ هذه الحروفِ ووظائفَها ودلالاتِها لوجدتَها أولا قد قيَّدَت الأفعالَ وأخرجتْها من إطلاقها وأحدثَت فيها شعباً ومَسالكَ وطُرُقاً فرعيَّةً بها تُدرَك دقائقُ المَعاني، فلا شكّ أنّ بين قولك: “نبعثُ شهيداً” وبين قوله تعالى “نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم” فَرقاً واختلافاً؛ فقَد أُخرجَ الفعلُ “بَعَثَ” من إطلاقه وقُيِّدَ بمَكان اختيار المَبعوث، وأُخرجَت الصفة المشبهَةُ “شهيد” من إطلاقها إلى تخصيص بمَن سيَقَع عليهم الإشهاد وتَبيين منْ سيُنتَقى منهم الشهداءُ… ثمّ يأتي الفعل الثاني “جئنا” لكيْ يُقيَّدَ بباء التعدية … ثم الفعل “نزَّلْنا” ثم المصدر “تبيان” و”هدى”.
كثيرا ما تَسمعُ تَعديةَ ما يتعدى بنفسه، يُعَدَّى بالواسطَة؛ فَيُقال: يخافُ المرءُ من ربه، ولا تَخفْ من أحدٍ إلا من ربك… وأعطى زيدٌ لعَمرو كتاباً … وباعَ له سلعةً…
وإذا نبَّهتَ المُعَدّيَ الفعلَ بالواسطةِ احتجَّ عليك بأنه يَجوزُ ما دام المَعْنى مفهوماً، وهنا يَنتهي الحِجاجُ لأن المُحتجَّ عليكَ لا يَميز بين الأفعال المتعدية نفسها كخافَ وخشيَ ورأى وكتبَ… والأفعال اللازمة التي إذا عُدِّيَت تَعَدَّت بواسطة الجار مثل الفعل : مَرَّ وسَكَتَ …..
- تعليق الجار والمجرور في “الحمد لله”
إن قال قائلٌ : إنّ الجار والمجرورَ في “الحمد لله” متعلقٌ بخبر محذوف تقديرُه واجب، قيلَ له: ليسَ التعليقُ بالضرورة بكلمة “واجب”، وإن كان الحمدُ واجبا في الحقيقة، ولكن التعليقَ في مثل هذه التراكيب يكونُ بكونٍ عامٍّ وليس بِكوْنٍ خاصٍّ، أي يُعلَّقُ الجارُّ بلفظ عامٍّ مثل كائن أو حاصل أو واقع، أما الواجب فيدل على كون خاص أو معنى خاصٍّ ليس هو المقصود بالضرورة من الكلام؛ لأن الله تعالى قد رَكَّز الحمدَ في طباع المَخلوقات وفَطَرَها عليه. فالتعليق بكون عام لا يدلُّ على حَدَث مخصوص، ومثل ذلك قولنا الكتاب لك، وفاطمة في المكتب، والخطيب على المنصة… ففي هذه الأمثلة يقدر المحذوف بكون عام.
الحمد حاصلٌ بالفطرَة قبل أن يكون واجبا، وقد أعجبني تعريفُ أحد الكُتّابِ للحمد، بأنّه استجابة فطرية للرحمة الندية.
فهذه قاعدة أولى تخص تفسيرَ القضية. أما القضيةُ الثانية فهي أن تعليق الجار والمجرور بالواجب لا يستقيم نحواً وتركيباً فكيف يُتصور أن نقول: الحمد واجب لله، لأنه ينبغي تقدير الواجب متقدما على الجار إذا أردنا أن نعلقه به، ويترتب عليه أن نقول: الحمد واجب لله، وهذا لا يُفيدُ المعنى المرادَ من الآيَة؛ إذ المعنى الصحيح يكون بتأخير الواجب، الحمد لله واجب أي الحمد لله أمر واجب، فيكون المعنى: حمد الله واجب، واللام عُلِّقَت بالمصدر “الحمد”، وأن الخبر هو الواجب، فيكون الواجبُ خبراً مذكوراً لا مُتعلَّقاً به مَحذوفاً؛ فلا مَعنى أن نقول الحمد واجب لله، لأن الكلام الصحيحَ: حمد الله واجبٌ أو: حمد الناسِ اللهَ واجبٌ، أو حمد الله واجبٌ على الناس، فهذا تَقدير المسألة حتى لا نَسقُط في بناء جملة نريد بها معنى وهي تدل على معنى آخَر.
وأختم المسألة بما يكادُ يتَّفقُ عليه كثيرٌ من المفسرين والنحويين من أن: (الحمد) مرفوعٌ بالابتداء في جميع القراءات المروية، و(لله) خَبَرُه، واللامُ في (لله) متعلق بالكون العام والاستقرار العام كسائر المجرورات المخبر بها، وليس بالوجوب أو الكون الخاص، فالتقديرُ: الحمد كائنٌ أو حاصلٌ أو مُستقرٌّ لله.
- أحَد و إحْدى، متى نُذكِّر و مَتى نُؤنِّثُ ؟
نقول أَحَد بالمذكّر إذا كان مابَعْدَه مُذَكَّراً في مُفْرَدِه : أحَد مَحَلاّت… بتذكير “أحَد”؛ لأن مفرد محلاّت هو مَحلّ وهو مذكّر وإذا كان مُفْرد الجمعِ مُؤنَّثاً استعملْنا “إحدى” : «قُلْ هَلْ تَرَبَّصونَ بِنا إلاّ إحْدى الحُسْنَيَيْنِ» (التوبة:52)، «إحدى الطّائفتيْن» (الأنفال:7)، «إحدى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ»(القصص:27)، «إحدى الأمم» (فاطر:42)، «إنّها لإحدى الكُبَرِ» (المدثّر:35)أما الشّواهد على “أحَد” بالمذكّر فمنها: «يَوَدّ أحدُهم لَوْ يُعَمَّرُ ألْفَ سَنَةٍ» (البقرة:96)،«لا نُفرِّق بين أحَد من رُسُلِه» (البقرة:285)، «رأيْتُ أحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً» (يوسف:4)،والغالب فيها مع المذكّر أن تُضاف إلى ضميرٍ، كما في الشّواهد الأخيرة، فإن لم يكن الضمير توسّط بين “أحد” وبين الاسم الظّاهر حرف الجرّ “مِنْ”؛ قال ابنُ جنّيّ في “اللّمع” “تَنْصِبُ الفعلَ على أحَدِ مَعْنَيَيْنِ”، وقال الزّمخشري في “المفصل” “أحَد الضّمائر المنفصلة المرفوعة”، وقال الخليل في معجم العين: “العِدْلُ أحَدُ حِمْلَي الجَمَلِ” (1/93)، وجَنَحَتِ النّاقَةُ إذا كانَت بارِكَةً فَمالَت عَنْ أحَدِ شِقَّيْها (1/183)، الرَّهْيَأَةُ: أن تجعلَ أحدَ العِدْلَينِ أثقلَ من الآخر (العين:1/280) .
- فائدتان من فَوائد ترتيب الكَلام: اولاهُما صوتيّة والثانيّة مَعْنويّة :
« لئنْ بَسطْتَ إليَّ يَدَكَ لتقتُلَني ما أنا بِباسِطٍ يَدي إليكَ لأقتلُك » [المائدَة: 28]
بسطْتَ : مَدَدْتَ .
قَدَّمَ -في عَجُز الآيَة دونَ صَدرِها- ما تَعدّى إليه الفعلُ بنفسه، كَما في قولِه تَعالى: «وهو الذي كَفَّ أيديَهُم عنكُم وأيديَكُم عنهم »
كيفَ تَوخّى حُسنَ التّرتيب في عَجُز الآيةِ دونَ صَدرها ؟
الجوابُ أنّ الذي مَنَعَ حُسنَ التّرتيبِ في صَدر الآيةِ أيضاً،
1- مانعٌ أقْوى: وهو مَخافةُ أن يَتَوالى ثَلاثةُ أحرفٍ مُتقارباتٍ المَخرجِ [ت.ي.د.ك] فيثقُل الكَلامُ بسبب ذلكَ؛ فإنّه لَو قيلَ: لئن بَسَطْتَ يَدَكَ إليَّ، والطّاء والتّاء مُتقاربة المَخرجِ، فلذلكَ حَسُنَ تَقْديمُ المَفعول المُتعدّى إليْه بحرف الجرّ، على المَفعول الذي تَعدّى إليه بنفْسِه. ولمّا أُمِنَ هذا المَحذورُ في عَجُز الآيةِ لِما اقتضَتهُ البَلاغةُ من الإتيان باسم الفاعل مَوضعَ الجُملة الفعليّةِ لتَضَمُّنِه مَعنى الفعلِ الذي تصحُّ به المُقابلةُ، جاء الكلامُ على تَرتيبِه من تَقديم المَفعول الذي تعدّى الفعلُ إليه بنفسه على المَفعول الذي تَعدّى إليه بحرف الجر. وهذا أمرٌ يرجعُ إلى تَحسين اللّفظ،
2- وأمّا المَعنى فعَلى نَظمِ الآية؛ لأنّه لمّا كانَ الأوّلُ حَريصا على التّعدّي على الغَير قَدَّمَ المُتَعدَّى عَلى الآلةِ فَقالَ: إليَّ يدَكَ. ولمّا كانَ الثّاني غَيرَ حَريصٍ على ذلكَ -لأنّه نَفاه عنه- قَدَّمَ الآلةَ فَقال: يَدي إليكَ؛ ويدلُّ لهذا أنّه عبَّر عن الأوّل بالفعلِ وفي الثّاني باسم الفاعل.
من بلاغة الترتيب، المقابلة في الألفاظ والتناسُب في المَعاني: فائدتان من فَوائد ترتيب الكَلام: أولاهُما صوتيّة والثانيّة مَعْنويّة :
« لئنْ بَسطْتَ إليَّ يَدَكَ لتقتُلَني ما أنا بِباسِطٍ يَدي إليكَ لأقتلُك » [المائدَة: 28]
بسطْتَ : مَدَدْتَ .
قَدَّمَ -في عَجُز الآيَة دونَ صَدرِها- ما تَعدّى إليه الفعلُ بنفسه، كَما في قولِه تَعالى: «وهو الذي كَفَّ أيديَهُم عنكُم وأيديَكُم عنهم » . كيفَ تَوخّى حُسنَ التّرتيب في عَجُز الآيةِ دونَ صَدرها ؟
الجوابُ أنّ الذي مَنَعَ حُسنَ التّرتيبِ في صَدر الآيةِ أيضاً، مانعٌ أقْوى:
1- وهو مَخافةُ أن يَتَوالى ثَلاثةُ أحرفٍ مُتقارباتٍ المَخرجِ [ت.ي.د.ك] فيثقُل الكَلامُ بسبب ذلكَ؛ فإنّه لَو قيلَ: لئن بَسَطْتَ يَدَكَ إليَّ، والطّاء والتّاء مُتقاربة المَخرجِ، فلذلكَ حَسُنَ تَقْديمُ المَفعول المُتعدّى إليْه بحرف الجرّ، على المَفعول الذي تَعدّى إليه بنفْسِه.
2- ولمّا أُمِنَ هذا المَحذورُ في عَجُز الآيةِ لِما اقتضَتهُ البَلاغةُ من الإتيان باسم الفاعل مَوضعَ الجُملة الفعليّةِ لتَضَمُّنِه مَعنى الفعلِ الذي تصحُّ به المُقابلةُ، جاء الكلامُ على تَرتيبِه من تَقديم المَفعول الذي تعدّى الفعلُ إليه بنفسه على المَفعول الذي تَعدّى إليه بحرف الجر. وهذا أمرٌ يرجعُ إلى تَحسين اللّفظ، وأمّا المَعنى فعَلى نَظمِ الآية؛ لأنّه لمّا كانَ الأوّلُ حَريصا على التّعدّي على الغَير قَدَّمَ المُتَعدَّى عَلى الآلةِ فَقالَ: إليَّ يدَكَ. ولمّا كانَ الثّاني غَيرَ حَريصٍ على ذلكَ -لأنّه نَفاه عنه- قَدَّمَ الآلةَ فَقال: يَدي إليكَ؛ ويدلُّ لهذا أنّه عبَّر عن الأوّل بالفعلِ وفي الثّاني باسم الفاعل.
- « وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا » [فاطر:31-32]
تنويه بالكتاب المُوحَى، وضمنَ ذلكَ تنويه بالمُوحَى إليه، وفيه مَسرَّةٌ لَه وبشارةٌ بأنه أفضل الرُّسُل
– المُسنَد إليه اسم موصول، والأصلُ فيه الإبهامُ والعُموم وشُمول الصفات التي يُمكن أن يوصَف بها من المُسْنَد، وفيه إيماء إلى أنه الحق الكامل، وفي إبهامه تشويقٌ إلى معرفَة التفصيل والتخصيص.
– وجاء بالموصول ولم يأت بالضمير فلم يَقُلْ وهو الكتاب الحق، لأن الإضمارَ أوغل في الإبهام. ثم جاء بالصلة وهي جملَة “أوحينا”، وبها يكتمل مَعنى اسم الموصول مع صلته.
– والابتداءُ باسم الموصول قصرٌ للمُسنَد على المُسنَد إليه، قال صاحب التحرير والتنوير: «وهو قصرٌ ادّعائيٌّ للمُبالغَة لعدم الاعتداد بحقيّة ما عداه من الكتب»
– والرابط الذي يربط الصلة بالموصول مَحذوفٌ تقديرُه ضمير المفعولية [والذي أوحيناه] وهو مطابقٌ للموصول في الإفراد والتذكير والغيبة.
– ثم عُرِّفَ الكتابُ بأل، التي تُفيد العَهديةَ الذّهنيّةَ، فهو الكتابُ المَعهودُ ذهنا وشرعاً وواقعاً، وهو القرآن الكريم. أمّا التعريفُ في “الحق” فهو لاستغراق الجنس.
– ثم جيء برابط آخَر هو حَرفُ الجر لإفادة التبيين [من الكتاب] وذلك لإخراج المُسنَد إليه [الذي] من الإبهام والعُموم إلى التخصيص.
– أمّا “مُصدقاً” فهو حالٌ من الكتاب، والعاملُ في الحالِ ما في الضمير [هو] من مَعْنى الإشارَة والتعريف، وفي الحال معنى المُصاحَبَة فاجتَمَعَ في الكتابِ الحَقّيّةُ وتصديقُ الكتب قبلَه (خلافا لما ذكَرَه الشيخ ابن عاشور رحمه الله من أنّ العاملَ في الحال هو الفعل أوحينا، والظاهرُ أنّ الفعلض أوحينا بعيد عن المعمول “مصدقاً” فصلَ بينه وبينَه فاصل طويلٌ)
– “ثم” عاطفةٌ للترتيب والتعقيب والتراخي، وبعدَها جملةٌ استئنافيةٌ استُؤنِفَ بها بعدَ الإخبار بتنزيل الكتاب وتقرير حقّيّته وتصديقه لما قبلَه من كُتُب صحيحة، وهذه الجملة الاستئنافية مُصدَّرةٌ بفعل متعدٍّ بالهَمْزَة إلى مفعولَيْن اثنَيْن هما الكتاب واسم الموصول، وقدَّم المفعولَ الثاني للعناية والاهتمام بالكتاب الحق؛ قال في التحرير والتنوير: « وإنمّا خولِفَ هنا فقُدِّم المفعولُ الثاني لأمْنِ اللَّبس قَصداً للاهتمام بالكِتاب المُعطى. وأمّا التنويه بآخِذي الكِتابِ فقد حَصَل مِن الصِّلة »
– الكتاب الثاني هو الكتاب الأول، والألف واللام في الأول عهديةٌ ذهنيّةٌ ، وفي الثاني عهديةٌ ذكرِيّةٌ تمَّت الإحالةُ بها على الأوّل.
الصحيحُ في الفعل الْتَقَى أنه لازمٌ، وفاعلُه مثنى أومتعدد، والشاهدُ عليه قولُه تعالى: «قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا» «وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ» آل عمران
ويقال التَقى الفارسانِ إِذا تَحاذَيا وتَقابلا.
قال الشاعر:
يتَقارَضُون إِذا التَقَوْا في مَوْطِنٍ *** نَظَراً يُزِيلُ مَواطِئَ الأَقْدامِ
ولا يصحُّ التَقَى به ولا الْتَقَى مَعَه، لأنّ فيه حَشواً وإقحاما لما لا فائدةفيه وهو حرف الجر، ويَكفي أن تَقول: الْتَقَى زيدٌ وعَمرو، والتَقَت الجموعُ،والْتَقَى المتواعدونَ
ومثلُ الفعل الْتَقَى في اللزوم وكون الفاعل مثنى أو جمعاً، فعلُ تَلاقَى.
أمّا الفعلُ لَقِيَ فهو متعدٍّ، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَار» «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا»
ولَقِيَ فٌلانٌ الألاقِيَّ من شَرٍّ ومِن عُسُرٍ
- تَكرار حَرف الجرّ “مِن” ثلاثَ مرات في آيةٍ واحدةٍ : دليل على التركيز الدَّلاليّ أو الشّحنَة الدّلاليّة :
ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (الروم: 28)
1- “مِن: في قوله [مِن أنفسكم] ابتدائية تُفيدُ ابتداءَ الغاية المَكانية المَجازية، وهي متعلقة بالفعل [ضرَب] أي جعل لكم مَثلاً مُنتزَعاً من أنفسكم .
2- [مِن] في قوله [من ما ملكت أيمانكم] تبعيضية، أي بَعْض ما مَلَكَت أنفسُكم.
3- [مِن] في قوله [مِن شركاء] زائدة مُؤكِّدة لمعنى النفي المستفاد من الاستفهام الإنكاري.
كَذا فَليَجِلَّ الخَطبُ وَليَفدَحِ الأَمرُ *** فَلَيسَ لِعَينٍ لَم يَفِضْ ماؤُها عُذرُ
[أبو تمام]
من أجمل ما سمعتُه من شيخنا أ.د. فخر الدين قباوة في إعراب “كذا” في بيت أبي تمام في رثاء محمد بن حميد الطوسي:
الكاف حرف جر زائد، وذا اسم إشارة في محل نصب مفعولٌ مطلقٌ للفعل الأول “يجلّ” أو الثاني “يَفْدَح”، يُفيدُ التوكيدَ أو البَيان
استحضار الشبكة الضميرية لفهم العلاقات الإحالية :
« وراوَدَتْهُ التي هو في بَيْتها عن نَفسِه وغلَّقَت الأبوابَ وقالَتْ هيتَ لكَ »
الضّمائر: الهاء في “راودته” وها في “بيتها” والكاف في “لك”، والضمائر المستترة في غلقت وقالت… تُحيل على مذكور سابق “امرأة العَزيز” ونُسبَت إلى العَزيز ولم تُسمَّ باسمها. والضمير المنفصل “هو” يُحيل على يوسف، ولم يُذكَر بالاسم
المراوَدَة مُفاعلةٌ تدل على المُعاوَدَة ولا تدل على مشارَكَة؛ لأن المراوِدَ امرأةُ العزيز وحدَها، وفي المراوَدَة تكثير للفعل أو تَكريره كلما أخفَقَت. والإخفاقُ بسبب أن المراوَدَةَ تُقابَلُ بالمُمانَعَة. وفاعل المراوَدَة اسمُ الموصول، أسند الفعلُ إلى اسم الموصول للَفت الانتباه إلى سلطة المُراوِد وتمكُّنه وإلى عفّة يوسف وعصمته.
عن حرفُ جر يدل على المُجاوَزَة والانصراف، والمعنى أنها تصرفُه عن نفسه وتُبعدُه عنها لتُخلصَه لَها. وفي المُجاوَزَة كنايَةٌ عَن الغَرَض من المراودَة
والكافُ في “لَكَ” لبيان المقصود من الخطاب وإخلاص اسم فعل الأمر للمُخاطَب دون غيره، واللامُ للاختصاص
في الشبَكة الضميرية مرة أخرى :
« فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ» [يوسف/88]
تعددت أنماط الضمائر: الغَيْبَة (دخلوا قالوا يجزي) – الذّات المتكلمة (مسَّنا أهلنا جئنا لنا علينا) – المُخاطَب (يا أيها العزيز أوْفِ تصدقْ)
قد تجدُ الشخصَ الواحدَ يتلبَّسُ طَوْراً بضمير الغَيْبَة وطَوراً بضمير التكلُّم وطوراً بضمير المُخاطَب: فالذي دَخَلَ هو الذي تكلم عن نفسه وخاطَبَ غيرَه. ولَقَد اختلَفَت جهاتُ الضَّمائرِ لاختلاف المواقف والمواقع، ففي كل تَخطيط لموقف جديد يُبْنَى مَشهَدٌ جديدٌ بعد تَفكيك عناصر القَديم وإعادة تَركيبها.فلا تُفهم شبكة الإحالات الضميرية إلا بالعلم بالمواقف والخطط التي تُعيد تَوزيعَ العناصر، ولكل مشهد عناصرُه المُركِّبَةُ، من الكَلِمِ والضَّمائر.
- استحضار الشبكة الضميرية لفهم العلاقات الإحالية :
« وراوَدَتْهُ التي هو في بَيْتها عن نَفسِه وغلَّقَت الأبوابَ وقالَتْ هيتَ لكَ »
الضّمائر: الهاء في “راودته” وها في “بيتها” والكاف في “لك”، والضمائر المستترة في غلقت وقالت… تُحيل على مذكور سابق “امرأة العَزيز” ونُسبَت إلى العَزيز ولم تُسمَّ باسمها. والضمير المنفصل “هو” يُحيل على يوسف، ولم يُذكَر بالاسم
المراوَدَة مُفاعلةٌ تدل على المُعاوَدَة ولا تدل على مشارَكَة؛ لأن المراوِدَ امرأةُ العزيز وحدَها، وفي المراوَدَة تكثير للفعل أو تَكريره كلما أخفَقَت. والإخفاقُ بسبب أن المراوَدَةَ تُقابَلُ بالمُمانَعَة. وفاعل المراوَدَة اسمُ الموصول، أسند الفعلُ إلى اسم الموصول للَفت الانتباه إلى سلطة المُراوِد وتمكُّنه وإلى عفّة يوسف وعصمته.
عن حرفُ جر يدل على المُجاوَزَة والانصراف، والمعنى أنها تصرفُه عن نفسه وتُبعدُه عنها لتُخلصَه لَها. وفي المُجاوَزَة كنايَةٌ عَن الغَرَض من المراودَة
والكافُ في “لَكَ” لبيان المقصود من الخطاب وإخلاص اسم فعل الأمر للمُخاطَب دون غيره، واللامُ للاختصاص
في الشبَكة الضميرية مرة أخرى :
« فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ» [يوسف/88]
تعددت أنماط الضمائر: الغَيْبَة (دخلوا قالوا يجزي) – الذّات المتكلمة (مسَّنا أهلنا جئنا لنا علينا) – المُخاطَب (يا أيها العزيز أوْفِ تصدقْ)
قد تجدُ الشخصَ الواحدَ يتلبَّسُ طَوْراً بضمير الغَيْبَة وطَوراً بضمير التكلُّم وطوراً بضمير المُخاطَب: فالذي دَخَلَ هو الذي تكلم عن نفسه وخاطَبَ غيرَه. ولَقَد اختلَفَت جهاتُ الضَّمائرِ لاختلاف المواقف والمواقع، ففي كل تَخطيط لموقف جديد يُبْنَى مَشهَدٌ جديدٌ بعد تَفكيك عناصر القَديم وإعادة تَركيبها.فلا تُفهم شبكة الإحالات الضميرية إلا بالعلم بالمواقف والخطط التي تُعيد تَوزيعَ العناصر، ولكل مشهد عناصرُه المُركِّبَةُ، من الكَلِمِ والضَّمائر.
- الإحالَةُ بالضمير في ظرف المكان :
«سُبْحانَ الذي أسْرَى بِعَبْدِه لَيْلاً مِنَ المَسجدِ الحَرامِ إلى المَسجِدِ الأقْصَى الذي بارَكْنا حَوْلَه» [الإسراء]
بورِكَ حَوْلَه، “حَوْلَه” ظرفُ مَكان يدلُّ على مَكان قَريب من المسجد الأقصى. وفي التعبير “بالبركة حولَه” كنايةٌ عن حصول البركة فيه أولاً، لأنها إذا حصلت حوله فقد تجاوزت ما فيه؛ ففيه تلازمٌ بينه وبين ما حَولَه، وفيه فحوَى خطاب، وفيه مبالغة بالتكثير، ومثلُه حرفُ الجر “في” في قولِ زياد الأعجم:
إنّ السماحةَ والمروءة والندى *** في قبةٍ ضُربت على ابن الحشرج
“ظرف المَكان “حَوْلَه” وأسباب بركة المسجد الأقصى كثيرة كما أشارَ إليه ظرفُ المَكانِ {حوله}: واضعه إبراهيم عليه السلام / ما لَحقه من البركة بمن صلى به من الأنبياء من داوود وسليمان ومن بعدهما / بركة من دُفن حوله من الأنبياء / أعظم تلك البركات حلول النبي صلى الله عليه وسلم فيه وصلاته فيه بالأنبياء كلهم.
قيمةُ ظرف الزَّمان “حوْلَه” تَظهَرُ في تَعليل الإسراءِ: لقَد بورك حَولَ المَسْرى وليس فيه فَقَط؛ لإظهارِ الآياتِ للنبي صلى الله عليه وسلَّمَ وإطلاعِه عليْها، فيخبرهم بما سألوه عن وصف المسجد الأقصى.
ولام التعليل لا تفيد حصر الغرض من متعلقها في مدخولها .
وإنما اقتُصر في التعليل على إراءة الآيات لأن تلك العلة أعلق بتكريم المُسرَى به والعناية بشأنه؛ لأن إظْهارَ الآيات تزيد يقينَ الناظر
لاحظْ أنّ ظرفَ المَكانِ “حَولَه” يُحيلُ إلى هذه المَعاني كلها، أما الظروفُ التي قبَله في الآيَة نفسِها [ليلاً – مِن – إلى] فتُفيدُ تَقييد ما تَعَلَّقَت به مباشَرَةً ومن ثَمَّ تُحيلُ إلى زمان مُتعلَّقاتها أو مَكانه: [أسرى ليلاً – أسرى من المسجد الحرام – أسرى إلى المَسجد الأقصى].
وقَريبٌ منه قولُه تَعالى: « وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ» [يوسف/21]
فقَد أحال بالضَّميرِ إلى “المَثْوى” ولم يَقتصرْ على المُرادِ إكْرامُه؛ وحقيقةُ المَثْوى المَحلُّ الذي يَثوي إليه الإنسانُ، وهو كِنايةٌ عن حالِ الإقامة وهيئَة المَكان وما يتَّصلُ بالمُقامِ كلِّه.
فالحالُ كلُّها مَحْفوفةٌ بكَمال نَوع الكَرَم، من أجلِ المُكْرَم. اجعلي إقامته عندك كريمة ، أي كاملة في نوعها.
المقصود باللفظ الدّارج في لهجة المَغاربَة «بزّاف» :
هذا اللفظ في الأصل مكوَّنٌ من جار ومجرور : حرف الجر هو الباء وما بعدَه اسم مجرور، وأصلُه : بالجزاف أي جزافاً، وأصله من الجَزْفِ وهو الأَخذُ بكثرة من غير قَدْرٍ مَعلوم، و الفعلُ منه: جَزَفَ له في الكيْل أَكثَرَ ، والجِزافُ والجَزْفُ المَجْهولُ القَدْر مَكِيلاً كان أَو مَوْزوناً، وعليه، تكونُ دلالة اللفظِ الدارج في لهجة المَغاربَة [الذينَ أدغَموا الجيمَ في الزّاي] الكثرَةُ المَجهولَة القَدْر ، أو الكثرَة المُبالَغ فيها.
- «فاسْتقمْ كَما أُمرْتَ ومَن تابَ مَعَكَ ولا تَطْغَوْا. إنّه بِما تَعْمَلونَ بَصيرٌ» [هود:112]
كاف التّشبيه اسمٌ بمَعْنى مثل، والمَعنى مثْلَما أمرْتَ أو على النحو الذي أمرْتَ به، وهي في محل نصب حال من مَصدر مُنتَزَع من الفعل استقمْ، وتأويلُه: فاستقِمْ استقامةً مثلَ التي أمرتَ بها. فقَد أُمرَ باستقامةٍ مُطابقةٍ لما أمرَ به من غيرِ زيادةٍ ولا نُقصانٍ، وفي هذه الكاف تشبيهُ المُجمَل بالمُفصَّل، لأنه فصَّلَ أن تَكون الاستقامةُ طِبْقَ المأمورِ به.
وللكاف وجه آخَر يؤولُ إلى النتيجَة نفسها؛ وهو أن تَكونَ حرفَ جر بمعنى (على) أي على النحو الذي أمِرْتَ به.
وفي كلتا الحالَتَيْن تظلُّ الكافُ رابطاً يربط الشطر الأول من الكلام [استقم] وبالشطر الثاني [ما أمرْتَ به].
قراءَة في شبكة الربط والإحالَة:
لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
[المائدة/89]
والملحوظ في هذه الآيَة الطويلَة ورود
– الإحالَة بالتكرار : الاسمُ المكررُ يُحيلُ إلى ما قبلَه مما هو من لفظه ومَعناه. والملحوظُ تكرُّرُ الأيْمانِ أربعَ مرات، والتكريرُ للتقرير، وقُسمَت الأيْمان إلى أيْمانٍ لاغية وأيْمانٍ مَعقود عليْها عَمَلٌ.
– الإحالَة بالضمائر [ضمائر المخاطَب والغائب]: ضمير الكاف في يؤاخذكم وأيمانكم وأهليكم ولَكم، والتاء في عقَّدتُم وحلفتم، والواو في تطعمون واحفظوا وتشكرون، والضمير المستتر في يَجِدْ على تقدير فمن لم يجد منكم…: لعامة المُخاطَبين من المسلمين. الهاء في “كفارتُه” يعود على “ما عقّدتم به الأيْمانَ” أي ما قصدتُم به الحَلف، أي المحلوف عليْه.
– الإحالَة ببعض حروف الجر مثل : “مِنْ” البيانية في قوله “من أوسط” وفي التبيين إشارةٌ إلى المبيَّن “مَساكين” وإحالةٌ إليْه بتَقْييد المراد إذْ لَو لم يُبيّنْ لفُهِمَ أنّ مُطلقَ المساكين يَجوزُ إطعامُهم سواء أكانوا من أوسط ما يأكل الناسُ أم من أقلّ أو أكثَرَ.
-الإحالَة بالإشارَة: ذلك كفّارةُ أيمانكم” : وفيه إشارة إلى المَذكور سابقاً وهو لتححل من الأيْمان بالتكفير، والإشارَةُ زيادة في الإيضاح.
– الإحالَة على عِظَم المسألَة، بالمُبالَغَة في اللفظ : صيغة التَّشديد في “عقَّدتُم” للمُبالَغَة في عَقْد الأيمان ممّا كَسَبَت القلوبُ، والتشديد في فاء الكفّارة؛ وقد جاءت في اللفظ دلالتان اثنتان على المبالغة هما التضعيف والتاء الزائدة
– تَقْييد الإشارَة بالشرط، وفيه إحالَة على أنّ الحُكمَ مقيَّد بالشرط : “إذا حلفتم” وأردتم التحلّل من القَسَم؛ إذْ ليست الكفّارةُ على مُطلَق صُدور الحَلِف بل على عَدَم الوَفاءِ به وعَدَم البُرورِ بالقَسَم، أمّا إذا نُقِضَ الحَلِفُ لَزِمَت الكَفّارةُ؛ لأنّ النّقضَ إثمٌ يستوجبُ الكفارةَ .
- قيمَةُ الزَّمَن وأثَرُ الكنايَة والمَجازِ في بيانِ الدّقّة في الدّلالَة
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ» [النور/58]
تَعيَّن الاستئذانُ في ثلاثَةِ أوقاتٍ لأنها أوقاتُ خُلوة وتَجرُّدٍ وما يُكْرَهُ انكِشافُهُ، وسُمّيَت الأوقاتُ بالعَوْراتِ مَجازاً أي: ثلاثُ مرّاتِ ظُهور العَوراتِ. وثلاث عَوْرات مُراد به الزمنُ: أوقاتُ ثَلاث عَوْراتٍ.
الزمنُ في “ما” الليلُ كلُّه إلى ما قَبلَ الفجر. وقوله: «من قبل صلاة الفجر» ظَرف في محل نصب أو رفع [حَسَب القراءَة] بدل من قولِه: ثلاث مرات» وهو بدل مفصل من مجمل. وقَد زيدَ حَرفُ الجرّ “مِن” للتأكيد. وعُطِفَ الزَّمنُ في «وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة» لى الزمن قبلَه، وكذلك في «ومن بعد صلاة العشاء».
و”لكم” متعلق بصفة محذوفَة من “عَوْرات” أي ثَلاثُ عَوْرات كائنةٌ لَكم أو مُستقرة… وفي اللام دلالَة المِلْكيّةِ، أي أوقاتُ ثلاثِ عَوْراتٍ هي في مِلْكِكُم ومِن حَقِّكُم أن تُستأذنوا فيها.
- « وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا » [فاطر:31-32]
تنويه بالكتاب المُوحَى، وضمنَ ذلكَ تنويه بالمُوحَى إليه، وفيه مَسرَّةٌ لَه وبشارةٌ بأنه أفضل الرُّسُل
– المُسنَد إليه اسم موصول، والأصلُ فيه الإبهامُ والعُموم وشُمول الصفات التي يُمكن أن يوصَف بها من المُسْنَد، وفيه إيماء إلى أنه الحق الكامل، وفي إبهامه تشويقٌ إلى معرفَة التفصيل والتخصيص.
– وجاء بالموصول ولم يأت بالضمير فلم يَقُلْ وهو الكتاب الحق، لأن الإضمارَ أوغل في الإبهام. ثم جاء بالصلة وهي جملَة “أوحينا”، وبها يكتمل مَعنى اسم الموصول مع صلته.
– والابتداءُ باسم الموصول قصرٌ للمُسنَد على المُسنَد إليه، قال صاحب التحرير والتنوير: «وهو قصرٌ ادّعائيٌّ للمُبالغَة لعدم الاعتداد بحقيّة ما عداه من الكتب»
– والرابط الذي يربط الصلة بالموصول مَحذوفٌ تقديرُه ضمير المفعولية [والذي أوحيناه] وهو مطابقٌ للموصول في الإفراد والتذكير والغيبة.
– ثم عُرِّفَ الكتابُ بأل، التي تُفيد العَهديةَ الذّهنيّةَ، فهو الكتابُ المَعهودُ ذهنا وشرعاً وواقعاً، وهو القرآن الكريم. أمّا التعريفُ في “الحق” فهو لاستغراق الجنس.
– ثم جيء برابط آخَر هو حَرفُ الجر لإفادة التبيين [من الكتاب] وذلك لإخراج المُسنَد إليه [الذي] من الإبهام والعُموم إلى التخصيص.
– أمّا “مُصدقاً” فهو حالٌ من الكتاب، والعاملُ في الحالِ ما في الضمير [هو] من مَعْنى الإشارَة والتعريف، وفي الحال معنى المُصاحَبَة فاجتَمَعَ في الكتابِ الحَقّيّةُ وتصديقُ الكتب قبلَه (خلافا لما ذكَرَه الشيخ ابن عاشور رحمه الله من أنّ العاملَ في الحال هو الفعل أوحينا، والظاهرُ أنّ الفعلض أوحينا بعيد عن المعمول “مصدقاً” فصلَ بينه وبينَه فاصل طويلٌ)
– “ثم” عاطفةٌ للترتيب والتعقيب والتراخي، وبعدَها جملةٌ استئنافيةٌ استُؤنِفَ بها بعدَ الإخبار بتنزيل الكتاب وتقرير حقّيّته وتصديقه لما قبلَه من كُتُب صحيحة، وهذه الجملة الاستئنافية مُصدَّرةٌ بفعل متعدٍّ بالهَمْزَة إلى مفعولَيْن اثنَيْن هما الكتاب واسم الموصول، وقدَّم المفعولَ الثاني للعناية والاهتمام بالكتاب الحق؛ قال في التحرير والتنوير: « وإنمّا خولِفَ هنا فقُدِّم المفعولُ الثاني لأمْنِ اللَّبس قَصداً للاهتمام بالكِتاب المُعطى. وأمّا التنويه بآخِذي الكِتابِ فقد حَصَل مِن الصِّلة »
– الكتاب الثاني هو الكتاب الأول، والألف واللام في الأول عهديةٌ ذهنيّةٌ ، وفي الثاني عهديةٌ ذكرِيّةٌ تمَّت الإحالةُ بها على الأوّل.
- رَوابطُ وقُيودٌ دقيقَةُ الترابُط والإحالاتِ
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ
– الفاءُ رابطةٌ للاستئناف، تربط معنى ما بعدما بمعنى ما قبلَها وإن انقَطَعَت العلاقة الإعرابيةُ
– حرف الجرّ اللام “للدّينِ” متعلّق بالفعل أقِمْ
– حرف الجرّ “مِنْ” الأولى متعلقٌ بأقمْ وكأنّه قالَ: أقمْ وجهَكَ الآنَ؛ لأن في الجارّ معنى الظّرفيّة التي يُفيدُها السياقُ
– الاسم المَجرور “قَبْل” فيه مَعنى الظّرفيّة أمّا اللفظ فهو مجرور بما قبلَه
– المصدر المؤول من أن والفعلِ، في موضع جرٍّ بالإضافَة
– يأتي يوم جملة صلة الموصول
– جملة لا النافية للجنس ومَعمولَيْها ي محلّ رفع صفة لليوم ورابطُ الجملَة الوصفيّة بالموصوف الضميرُ في “لَه”
– حرفُ الجر “مِنْ” الثاني مُتعلقٌ بالفعل يأتي، والتقديرُ: فأقمْ وجهكَ للدين القيّم من قبلِ أن يَأتي مِنَ الله يوم لا مردَّ له. و”مِنْ” يدلُّ على ابتداء الغايَة المكانيّة المَجازيّة.
- كاف التشبيه رابطٌ:
«فاسْتقمْ كَما أُمرْتَ ومَن تابَ مَعَكَ ولا تَطْغَوْا. إنّه بِما تَعْمَلونَ بَصيرٌ» [هود:112]
كاف التّشبيه اسمٌ بمَعْنى مثل، والمَعنى مثْلَما أُمرْتَ أو على النحو الذي أُمرْتَ به، وهي في محل نصب حال من مَصدر مُنتَزَع من الفعل استقمْ، وتأويلُه: فاستقِمْ استقامةً مثلَ التي أُمرتَ بها. فقَد أُمرَ باستقامةٍ مُطابقةٍ لما أمرَ به من غيرِ زيادةٍ ولا نُقصانٍ، وفي هذه الكاف تشبيهُ المُجمَل بالمُفصَّل، لأنه فصَّلَ أن تَكون الاستقامةُ طِبْقَ المأمورِ به.
وللكاف وجه آخَر يؤولُ إلى النتيجَة نفسها؛ وهو أن تَكونَ حرفَ جر بمعنى (على) أي على النحو الذي أمِرْتَ به.
وفي كلتا الحالَتَيْن تظلُّ الكافُ رابطاً يربط الشطر الأول من الكلام [استقم] وبالشطر الثاني [ما أمرْتَ به]
- هذه في تعليق على أحد عنوان الكتب
في : حرف جر لتقييد الإطلاق والإفادَة بأنّ الكتابَ محاولة واجتهاد، يُضاف إلى محاولات أخرى، ولو أسقطنا حرفَ الجرّ لأفادَ الإسقاطُ الإطلاقَ، والإطلاقُ ادّعاءُ إحاطةٍ وما ينبغي لأحد أن يدَّعي في العلم استقصاءً وإحاطةً .
- رَوابطُ وقُيودٌ دقيقَةُ الترابُط والإحالاتِ
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ
– الفاءُ رابطةٌ للاستئناف، تربط معنى ما بعدما بمعنى ما قبلَها وإن انقَطَعَت العلاقة الإعرابيةُ
– حرف الجرّ اللام “للدّينِ” متعلّق بالفعل أقِمْ
– حرف الجرّ “مِنْ” الأولى متعلقٌ بأقمْ وكأنّه قالَ: أقمْ وجهَكَ الآنَ؛ لأن في الجارّ معنى الظّرفيّة التي يُفيدُها السياقُ
– الاسم المَجرور “قَبْل” فيه مَعنى الظّرفيّة أمّا اللفظ فهو مجرور بما قبلَه
– المصدر المؤول من أن والفعلِ، في موضع جرٍّ بالإضافَة
– يأتي يوم جملة صلة الموصول
– جملة لا النافية للجنس ومَعمولَيْها ي محلّ رفع صفة لليوم ورابطُ الجملَة الوصفيّة بالموصوف الضميرُ في “لَه”
– حرفُ الجر “مِنْ” الثاني مُتعلقٌ بالفعل يأتي، والتقديرُ: فأقمْ وجهكَ للدين القيّم من قبلِ أن يَأتي مِنَ الله يوم لا مردَّ له. و”مِنْ” يدلُّ على ابتداء الغايَة المكانيّة المَجازيّة.